بواسطة سفيان بتاريخ : 2020-05-27
ثغرات مدونة الأسرة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعود بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا وشفيعنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصبحه ومن إهتدى بهديهم الى يوم الدين . مما لا شك فيه أن أحداً لا يجادل ما جاءت به مدونة الأسرة من مقتضيات تواكب متطلبات الواقع المغربي المتغير سياسيا واجتماعيا وكذا اقتصاديا ، هذه المقتضيات تسعى إلى حماية وصيانة كرامة المرأة والرجل داخل منظومة إجتماعية متغيرة ومتبدلة كما سلف الذكر ، كما ترمي ايضا الى حقوق الاطفال كما هي متعارف عليها دوليا مع الاخد بأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها السامية والنبيلة . لكن بالرغم من الدور الإيجابي الذي لعبته هذه المقتضيات القانونية في مدونة الأسرة ، إلا أنها لم تسلم من ثغرات صحبها نقاش بين المهتمين والمتخصصين . لذلك فموضوعنا ( ثغرات مدونة الأسرة ) سأحاول من خلاله الوقوف عند بعض نصوص المدونة ، مع ابداء بعض الملاحظات ومقترحات ، الأمر الذي جعلني أقسم الموضوع وفق التصميم التالي :
الفقرة الأولى : اجراءات مسطرة التعدد الفقرة الثانية : إثبات نسب الحمل الناتج أثناء فترة الخطبة الفقرة الثالثة : إجراءات الطلاق. الفقرة الرابعة : الحكم بالمتعة بعد طلاق المدخول بها الفقرة الخامسة : الايلاء
الفقرة الأولى : إجراءات مسطرة التعدد بالرجوع الى مقتضيات المواد 41و 46 من مدونة الأسرة التي تضمن حق الزوجة والابناء ، وكذلك ان التعدد أصبح من الامور المعروضة على انظار المحكمة خاصة قسم قضاء الأسرة ، عكس ما كان عليه الأمر في ضل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة ، إضافة إلى ذلك حاولت المدونة ايجاد سبيل على أساسه توفق بين الزوج الراغب في التعدد وزوجته ، هذا السبيل الذي يقوم على أساس التوفيق والاصلاح بين الزوجين . إلا أنه وتبعا لذلك فمسطرة التعدد تظل تعيقها ثغرات عديدة ، حيث انه بالعودة إلى المادة 41 من مدونة الأسرة السابق ذكرها فنجدها تنص على " في إطار تحديد شروط التعدد على أن المحكمة لا تأذن بالتعدد إذا لم يثبت لها المبرر الموضوعي الاستثنائي ، وإذا لم تكن لطالبه الموارد الكافية لاعالة الاسرتين ". وبالتمعن في عبارة ( الاسرتين ) فنرى أنها لاتتوفر بالمعنى الصحيح للتعدد ، وسندنا في ذلك أن الزوج قد يعني بالتعدد الزوجة الثالثة أو الرابعة ، والصياغة الامثل هي " أن تكون للزوج كفاية مالية لاعالة اكثر من زوجة . هذا في ما يخص المادة 41 اما بخصوص المادة 44 من نفس المدونة ، فتنص على أن للمحكمة أن تأذن بالتعدد بمقرر معلل غير قابل لاي طعن إذا ثبت لها المبرر الموضوعي الاستثنائي ، وتوفرت شروطه الشرعية مع تقييده بشروط لفائدة المتزوج عليها واطفالها ، غير انه وحفاظا على اواصر الأسرة كان على المشرع المغربي اضفاء الصبغة النهائية على مقرر الاذن بالتعدد ، وجعله خاضعا للطعن امام محكمة الاستئناف للتأكد من توفر الشروط الشرعية والقانونية للتعدد . أما الاشكال الذي يثير حفيظتنا هو أنه في حالة نازعت الزوجة زوجها الذي يريد التزوج عليها ،ولم تطالب بالتطليق فإن المحكمة لا تأذن بالتعدد ، وانما تطبق مسطرة التطليق للشقاق المنصوص عليها في المواد من 94 الى 97 من مدونة الأسرة ، مما يجعل هذا المقتضى يخالف مقتضيات الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية الذي يقر على أن المحكمة عليها ان تبث في حدود الطلابات ، وتحكم بعد ذلك بالتطليق للشقاق في حالة استمرار الشقاق وتعذر عليها التوفيق والاصلاح بين الزوجين ، وكان الاجذر بالمشرع ايضا في إطار هذه المدونة ان يهتم بالمرأة المطلقة طلاقا رجعيا والتي يريد مطلقها الزواج بالزوجة ثانية او ثالثة او رابعة أثناء عدتها. وما زاد من الامر إشكالا هو استغلال الراغبين في التعدد لتجاوز الاذن القضائي مقتضيات المادتين 16 و 156 من مدونة الأسرة ، والتحايل على القانون بواسطتهما ، حيث اذا رجعنا الى المادة 16 نجدها تسمح بتوثيق عقد الزواج الذي حالت ظروف قاهرة دون توثيقه في وقته ، أما المادة 156 فتدعوا الى إلحاق نسب حمل المخطوبة بالخاطب وبالتالي توثيق عقد الزواج .
ونرى انه يتم التحايل على القانون وذلك من خلال خرق حقوق الزوجة الأولى باستعمال القانون لغير الغايات والاهذاف التي يسعى اليها وهي الحفاظ على حقوق تلک الزوجة والأطفال ان وجدوا ، حيث يسلك أغلب الازواج في هذا الصدد طرق التحايل والتدليس الذي يعفيهم من طلب الاذن بالتعدد ، إلا أنه رغم ذلك يعرضهم الأمر لعقوبات جنائية عند علم الزوجة الأولى ، مما يجعل المرأة والأطفال ضحية لهذا التحايل والتدليس خاصة عند متابعة الزوج بتهمة التدليس ، لذا كان على المشرع ان يضع في حساباته الحفاظ على حقوق المرأة المتزوج عليها والاطفال.
الفقرة الثانية : إثبات نسب الحمل الناتج عن فترة الخطوبة
بالرجوع الى المادة 156 من مدونة الأسرة التي تنص على " اذا تمت الخطوبة وحصل الايجاب والقبول وحالت ظروف قاهرة دون توثيق عقد الزواج وظهر حمل بالمخطوبة ، ينسب للخاطب للشبهة إذا توفرت الشروط التالية : _ اذا اشتهرت الخطبة بين اسرتيهما ووافق والي الزوجة عليها عند الاقتضاء _ إذا تبين أن المخطوبة حملت اثناء الخطبة _ إذا اقر الخطيبان ان الحمل منهما تتم معاينة هذه الشروط بمقرر قضائي غير قابل لأي طعن . _ إذا انكر الخاطب ان يكون ذلك الحمل منه ، أمكن اللجوء الى جميع الوسائل الشرعية في إثبات النسب طبقا لما ورد في المادة 145 من مدونة الأسرة . ترتب عن مقتضيات المادة 156 من م.أ جدلا واسعا في اوساط الفقه القانوني ، حيث ان هناك من اعتبره من باب إظفاء الشرعية على كل من كانت له علاقة غير شرعية ، ويمكن ان يستغل في إطار هذه المادة ما يسمى بالزواج العرفي الذي يخالف مقتضيات المادة 50 م.أ ومن بين أركان الزواج كما نعلم الايجاب والقبول ، وهما لا يتوفران الا في عقد الزواج ولهما شروط واثار قانونية واضحة ، خلافا للخطبة التي هي تواعد رجل وامرأة على الزواج بدل الوعد الذي كان ساريا في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة ، وهذا ما نصت عليه المادة 10 من مدونة الأسرة ، وبالعودة الى المادة 156من المدونة فسنلاحظ انها اتت بصيغة الظرف القاهر الذي حال دون توثيق الزواج وهي نفسها الصيغة الموجودة في المادة 16 من نفس المدونة التي تنص " تعتبر وثيقة الزواج الوسيلة الوحيدة المقبولة لاثبات الزواج ، إلا أنه ( وهذا هو الاستثناء ) إذا حالت ظروف قاهرة دون توثيق الزواج في وقته تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الاثبات وكذا الخبرة ، وتاخد المحكمة بعين الاعتبار وهي تنظر في دعوى الزوجية وجود اطفال او حمل ناتج عن العلاقة الزوجة ، وما إذا رفعت الدعوى في حياة الزوجة ، يعمل بسماع دعوى الزوجية في فترة انتقالية لا تتعدى خمس سنوات إبتداءا من دخول هذا القانون حيز التنفيذ ، إلا أن هذه الفترة الانتقالية لم يتم تحديدها الى حد الآن والتي انتهى اجل اجل سريانها سنة 2015 ، لكن لا ندري ما الهدف من اقحام هذه الصيغة المتعلقة بتوثيق عقد الزواج والحاقه بالخطبة ؟ وكأن بمشرعنا المغربي يريد اعطاء الخطبة مفهوما اخر اقرب للزواج غير الوثق ، في حين أن الخطبة كما نعلم مجرد تواعد بين رجل وإمرأة على الزواج ويحق لكل واحد منهما التنازل عنها طبقا للمادة 6 من المدونة . والخطبة لا يمكن ان تدخل ضمن حالات الشبهة التي تعرض لها الفقه ، وهو كون الشبهة التي يدرأنها الحد لا يتعداها ، وهي عند المالكية والشافعية ثلاثة شبه فقط ، كما اوردها القرافي في الفروق والعز بن عبد السلام في قواعد الاحكام وهي شبهة الفعل وشبهة الحل وشبهة العقد .
الفقرة الثالثة : إجراءات الطلاق
بالعودة إلى المادة 81 من مدونة الأسرة وبالضبط في فقرتها الثالثة التي تنص على أنه " إذا توصلت الزوجة شخصيا بالاستدعاء ولم تحضر ، ولم تقدم ملاحظات مكتوبة اخطرتها المحكمة عن طريق النيابة العامة إذا لم تحضر فسيتم البث في الملف . الاشكال الذي تطرحه هذه الفقرة هو ما العمل اذا حالت ظروف دون حضور الزوجة ؟ كأن تكون مريضة او ما شابه ذلك من الامور التي لا يتحين الحضور . لذلك يتعين على المحكمة أن لا تبث في الملف الا اذا تأكدت بأن تخلفها ليس مبررا كتعمدها الحضور بدون سبب مشروع من خلال البحث الذي تجربه النيابة العامة ، كما أضاف المشرع في الفقرة الأخيرة من هذه المادة (81م.أ) انه اذا تبين أن عنوان الزوجة مجهول إستاعنت المحكمة بالنسبة العامة للوصول الى ال الحقيقة ، والاشكال الذي يمكن طرحه بخصوص هذه الفقرة ايضا هو اذا لم تتمكن النيابة العامة من الوصول إلى الحقيقة ، وبقي عنوان الزوجة مجهولا ؟ هل يمكن للمحكمة البث في الملف من خلال إعطاء الاذن للزوج بالاشهاد على الطلاق لدى عدلين منتصبين لذلك ؟. نعتقد أنه على المحكمة أن لا تمنح الاذن بالطلاق إلا إذا تأكدت ان جميع إجراءات البحث عن الزوجة ظلت غير مجدية ، ويمكن التنبيه أنه بإمكان الزوج أن يتحايل على المحكمة واعطائها عنوان خاطئاً عن الزوجة يحول دون توصلها بالاستدعاء ، وفي هذه الحالة يطبق على الزوج مقتضيات العقوبة المقررة لي الفصل 361 من القانون الجنائي الذي تتراوح فيه العقوبة بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلات سنوات وغرامة من 200. الى 300 درهم .
الفقرة الرابعة : الحكم بالمتعة بعد طلاق المدخول بها تنص المادة 84 من مدونة الأسرة على أنه تشمل مستحقات الزوجة : مؤخر الصداق إن وجد ، نفقة العدة والمتعة التي يراعى في تقديرها فترة الزواج والوضعية المالية للزوج واسباب الطلاق ومدى تعسف الزوج في توقيعه . وبالتمعن في هذه المقتضيات فسنرى انها تتحدث عن وجوب المتعة في حالة ما إذا وقع الطلاق بعد الدخول ، وسكتت عن الحالة التي يقع فيها الطلاق قبل الدخول ولم يسم الزوج الصداق ، وأشارت المدونة السابقة (مدونة الأحوال الشخصية الملغاة ) في الفصل 52 مكرر ان المطلق يلزم بتمتيع مطلقته إذا كان الطلاق بجانبه يقدر يسره وحالها الا التي يسمى لها الصداق وطلقتها المحكمة قبل الدخول . ونرى انه كان على المشرع أن يتبنى الحالة المبنية في الحكم نفسه للمدونة السابقة ، والذي يقضي بأن المطلقة تستحق المتعة في حالة ما إذا طلق الزوج الزوجة ولم يسم لها صداقا ، بمعنى أن التي سمي لها الصداق لا تستحق المتعة إذا طلقت قبل الدخول ، مصداقا بقوله تعالى " لا جناح عليكم إن طلقتم النساء مالم تمسوهن او تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين " سورة النساء الآية 224. ، وقوله تعالى أيضا " يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المومنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا " سورة الطلاة الآية 4 ، وقال تعالى أيضا " وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين " سورة البقرة الآية 239 .
الفقرة الخامسة: الايلاء
نصت المادة 112 من مدونة الأسرة على أنه إذا آلى الزوج زوجته ، والايلاء معناه الحلف مطلقا سواء كان فعل شيء أو تركه ، وفي اصطلاح الفقهاء حلف الزوج بان لا يجامع زوجته مطلقا أو خلال مدة تفوق أربعة أشهر ، فالحلف على أقل من هذه المدة لا يكون ايلاء. لذلك فإذا آلى الزوج زوجته وهجرها ، فمن حق الزوجة أن ترفع أمرها الى المحكمة التي تؤجله أربعة أشهر ، فإن لم يفئ بعد الأجل طلقتها عليه المحكمة . ونلاحظ من خلال هذه المقتضيات أن المدونة إشترطت لحل الرابطة الزوجية بسسب الايلاء ان يتم ذلك بمقتضى حكم القضاء ، وبذلك تكون قد تبنت ما إستقر عليه عليه جمهور الفقه من غير الحنفية التي أجازت وقوع هذا النوع من الطلاق بالايلاء عن طريق القضاء ، وخالفت بذلک المذهب الحنفي الذي أجاز وقوع هذا النوع من الطلاق من غير ان تحتاج المرأة إلى رفع أمرها الى القضاء ليحكم بالطلاق ، وما ينبغي التنبيه اليه من خلال هذه المقتضيات هو انه قد يحدث خلاف بين الزوجين بأن يدعي الزوج الوطء قبل مضي المدة وتدعي الزوجة عند الوطء لكي تطلق منه فكيف يكون الحكم في مثل هذه الحالة ؟ المشرع المغربي لم يتطرق إلى كيفية إثبات الايلاء ، مما يجعلنا نرجع بخصوصه إلى ما إستقر عليه الفقه ، الذي يقر في هذا الباب أن القول قول الزوجة بيمينه ما لم تقم قرينة لصالحها كأن تكون بكرا ويظهر انها لازالت على حالها بعد انقضاء الايلاء.
خاتمة
إن الإنسان بإعتباره واضع النصوص القانونية الوضعية ، فإنه ونظرا لكونه إنسان فهو غير معصوم من الخطأ والنقص ، وهذا ما يتجسد في قانون الأسرة المغربي الذي تعرض لعدة تعديلات بداية بصدور هذه المدونة سنة 2004 على حساب مدونة الأحوال الشخصية الملغاة ، هذه التعديلات التي واكبت التطور الذي شهده المجتمع المغربي في شتى مجالاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، إلا أن هذه التعديلات لم تسلم من تغرات ونواقص ، لذلك ندعوا الى العمل على تكثيف الجهود لسد هذه التغيرات وتجاوز الاشكالات السالفة الذكر ، واشراك الفعاليات والجهات المختصة المضي قدما في مواكبة التطور الحضاري الذي تشهده بلادنا في مختلف الأصعدة .
وصلي اللهم على شفيعنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين الى يوم الدين.
___________________________________. لانحة المراجع
- كتاب الزواج وانحلاله في مدونة الأسرة للدكتور محمد الشافعي طبعة2014 - القرآن الكريم : سور البقرة , الطلاق ، النساء - احكام الفقه ، الحنفي ، والمالكي ، الشافعي ، الحنبلي في ما يخص الايلاء - مدونة الأسرة المواد 41, 46 ،156,16 ، 145 ، 10 ،81, 84،112. - الفصل 3من قانون المسطرة المدنية - القانون الجنائي ( الفصل 361 ) - المادة 51 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة
5055 قراءة